سأعود
يوما لطبيعتي
عندما تعرفت عليه كان شابا شرساً ضائعاً في مسالك الحياة، ولاهياً في طريق شهواته من الدنيا، ومتعته تمزيق أعشاش الأحبة. في البدء نظرت إليه نظرة خوف وحذر، وفي أحيان أخرى كنت أشفق عليه لغرابة تصرفاته وجنون تفكيره في أمور الحياة ..... ومع الأيام وجدت نفسي أتعامل معه بنظرة الأم الحنون، وبسطت قلبي أمامه، وغدوت من أوائل المشاركين في شؤون حياته اليومية، وطلب إلي بأن أقف معه ورجاني بأن أرمي من الشبابيك كل المواعيد المعلقة وأنسى الآخرين وأكون له فقط، وطاوعت كلامه ولم أفارقه لحظة واحدة .... وكنت معه في كل مكان وفي كل وقت، وخففت عنه نكبات الزمان وعثرات الأيام، وجعلت من نفسي شمعة تحترق لتملأ عليه حياته نوراً، وعشت معه إنسانة راضية بقسمتي ونصيبي، وأخلصته الحب بأشكال مختلفة.
وكان يحدوني الأمل بأن أحول شراسته إلى وداعه، وطيشه إلى حكمة، وأغير مفهومه لأمور الدنيا وأحرره من الجري وراء العابثات، وبأن يصبح في عيون الناس روحا لطيفة تسري في الدماء، وبأن يكون إنسانا كريم الخلق شريف القلب..... وهكذا ذبحت قلبي لأنقذه من سواد ظلام أفكاره، وحاولت جاهدة تغيير حاله للأفضل، لكنه للأسف خذلني بجهله، وبتلاعبه بمشاعر الآخرين قهرني، وتركني مع وحدتي أصارع عثرات الدنيا، ولم يخطر ببالي وقتها بأنني أشتري دقيقة ن السعادة بعام من الندامة.
رحل رجل الضياع تاركا وراءه حطام قلبي، ومصائب أفعاله فتحت بصيرتي النائمة، وجعلتني ابكي خيبتي بحرقة، وكثرة إنهمار الدموع جلت بصري .... وحانت لحظة الفراق ، وبالرغم من قناعتي التامة بعدم جدوى العودة إليه وبضرورة الانسحاب من حياته، إلا أنني ما زلت أنتظره بقلبي، وأحادث أصاحبه شاكية الفراغ الذي تركه برحيله ومللي طوال الانتظار، ومعبرة عن إشتياقي لكلامه وحركاته المجنونة بأركان منزلي.
طالبني الأهل والمقربين من الأصحاب التحلي بالصبر، وبضرورة النسيان وبالابتعاد عن أجوائه الملوثة وبسرعة إنهاء هذه العلاقة الفاشلة، وبالاحتفاظ بذكرى الصداقة غير المتكافئة في ملف أسود بأرشيف الذاكرة. وبالرغم من بشاعة حقيقته إلا أنني ما زلت الانسانة الوحيدة التي تمتلك مقدرة رؤيته بقلبي، وعقلي الباطن يرفض أن يكون مصيره من أخوات كان .... وأحاول دائما إيجاد التبرير المنطقي لتصرفاته المخجلة ... ولا تزال رسائله المبللة بدموعي الحزينة فوق وسادتي تطير النوم من عيني، ودائما اسأل نفسي: لماذا تخلي عني وخاصمني؟؟ وهل من الشرف الرفيع أن يصرع الانسان حبيباً منحه صدق المشاعروالمواقف؟؟
لقد زهقت روحي من قهر الأيام، وأريد لقلبي الأسير الخروج من دائرة ظلمة حبه والانعتاق من ويلاته، وأرغب بالانفراد مع نفسي وتفحص أعماقي وأسراري .... فدعوني وشأني يا لائمي من الأصدقاء فلا يزال عندي الضمير الذي يحكم بالعدل .... وثقوا بأنني سأعود يوماً ما لطبيعتي، وسيعود موكبي للمسير وسيرفع أعلامه بوجه المحبين والأوفياء، وسأفرش لهم الطريق بالورد والرياحين.